الباب الأول : أَحْوَالُ الْإِسْنَادِ الْخَبَرِيّ
اَلْقَصْدُ بِالْإِخْبَارِ أَنْ يُفَادَا * مُخَاطَبٌ حُكْمًا لَهُ أَفَادَا
أَوْ كَوْنَهُ عَلِمَهُ وَالأَوَّلاَ * فَائِدَةَ الإِخْبَارِ سَمِّ وَاجْعَلاَ
لاَزِمَهَا الثَّانِي وَقَدْ يُنَزَّلُ * عَالِمُ هَذَيْنِ كَمَنْ قَدْ يَجْهَلُ
لِعَدَمِ الْجَرْيِ عَلَى مُوْجَبِهِ * وَمَا أَتَى لِغَيْرِ ذَا أَوِّلْ بِهِ
فَلْيُقْتَصَرْ عَلَى الَّذِي يُحْتَاجُ لَهْ * مِنَ الْكَلاَمِ وَلْيُعَامَلْ عَمَلَهْ
فَإِنْ تُخَاطِبْ خَالِيَ الذِّهْنِ مِنِ * حُكْمٍ وَمِنْ تَرَدُّدٍ فَلْتَغْتَنِ
عَنِ الْمُؤَكِّدَاتِ أَوْمُرَدِّدَا * وَطَالِبًا فَمُسْتَجِيْدًا أَكِّدَا
أَوْ مُنْكِرًا فَأَكِّدَنْ وُجُوبَا * بِحَسَبِ الإِنْكَارِ فَالضُّرُوبَا
أَوَّلَهَا سَمِّ ابْتِدَائِيًّا وَمَا * تَلاَهُ فَهْوَ الطَّلَبِيُّ وَانْتَمَى
تَالِيهِ لِلْإِنْكَارِ ثُمَّ مُقْتَضَى * ظَاهِرِهِ إِيرَادُهَا كَمَا مَضَى
وَرُبَّمَا خُولِفَ ذَا فَلْيُورَدِ * كَلاَمُ ذِي الْخُلُوِّ كَالْمُرَدِّدِ
إِذَا لَهُ قُدِّمَ مَا يُلَوِّحُ * بِخَبَرٍ فَهْوَ لِفَهْمٍ يَجْنَحُ
كَمِثْلِ مَا يَجْنَحُ مَنْ تَرَدَّدَا * لِطَلَبٍ فَالْحُسْنُ أَنْ يُؤَكَّدَا
وَيُجْعَلُ الْمُقِرُّ مِثْلَ الْمُنْكِرِ * إِنْ سِمَةُ النُّكْرِ عَلَيْهِ تَظْهَرِ
كَقَوْلِنَا لِمُسْلِمٍ وَقَدْ فَسَقْ: * “يَا أَيُّهَا الْمِسْكِينُ إِنَّ الْمَوْتَ حَقْ”
وَيُجْعَلُ الْمُنْكِرُ إِنْ كَانَ مَعَهْ * شَوَاهِدٌ لَوْ يَتَأَمَّلْ مُرْدِعَةْ
كَغَيْرِهِ كَقَوْلِكَ: “الإِسْلاَمُ حَقْ” * لِمُنْكِرٍ وَالنَّفْيُ فِيهِ مَا سَبَقْ
ثُمَّ مِنَ الْإِسْنَادِ مَا يُسَمَّى * حَقِيقَةً عَقْلِيَّةً كَأَنْ مَا
يُسْنَدُ فِعْلٌ لِلَّذِي لَهُ لَدَى * مُخَاطِبٍ وَشِبْهُهُ فِيمَا بَدَا
كَقَوْلِنَا: “أَنْبَتَ رَبُّنَا الْبَقَلْ” * وَ”أَنْبَتَ الرَّبِيْعُ” قَوْلُ مَنْ جَهِلْ
وَ”جَاءَ زَيْدٌ” مَعَ فَقْدِ الْفِعْلِ * عِلمًا وَما يدْعَى الْمَجازَ الْعَقْلِي
إِسْنَادُهُ إِلَى الَّذِي لَيْسَ لَهُ * بَلْ لِمُلاَبِسٍ وَقَدْ أَوَّلَهُ
وَأَنَّهُ يُلاَبِسُ الفَاعِلَ مَعْ * مَفْعُولِهِ وَمَصْدَرٍ وَمَا اجْتَمَعْ
مِنَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالسَّبَبْ * فَهْوَ إِلَى المَفعُولِ غَيْرِ مَا انْتَصَبْ
وَفَاعِلٍ أَصْلٌ وَغَيْرُ ذَا مَجَازْ * كَ”عِيشةٍ رَاضِيَةٍ” إِذَا تُجَازْ
وَ”السَّيْلُ مُفْعَمٌ” وَ”لَيْلٌ سَارِ” * وَ”جَدَّ جِدُّهُمْ” وَ”نَهْرٌ جَارِ”
وَ”قَدْ بَنَيْتُ مَسْجِدًا” وَقَائِلْ * أَوَّلَهُ يَخْرُجُ قَوْلُ الْجَاهِلْ
مِنْ ثَمَّ لَمْ يَحْمِلْ عَلَى ذَا الْحُكْمِ * “أَشَابَ كَرُّ الدَّهْرِ” دُونَ عِلْمِ
وَقُلْ مَجَازٌ قَوْلُ فَضْل الْأَلْمَعِي ” * : مَيَّزَ عَنْهُ قُنْزُعًا عَن قُنْزُعِ
جَذْبُ اللَّيَالي أَبْطِئِي أَوْ أَسْرِعِي” * لِقَوْلِهِ عَقِيبَ هَذَا الْمَطَْلعِ:
“أَفنَاهُ قِيلُ اللهِ لِلشَّمْسِ اطْلُعِي * حَتَّى إِذَا وَارَاكِ أُفْقٌ فَارْجِعِي”
أَقْسَامُهُ حَقِيقَتَانِ الطَّرَفَانْ * أَوْ فَمَجَازَانِ كَذَا مُخْتَلِفَانْ
كَ”أَنْبَتَ الْبَقْلَ شَبَابُ الْعَصْرِ” * وَ”الْأَرْضَ أَحْيَاهَا رَبِيعُ الدَّهْرِ”
وَشَاعَ فِي الإِنْشَاءِ وَالْقُرْآنِ * بِقَوْلِ: يَا هَامَانُ” مَثِّلْ ذَانِ
وَشَرْطُهُ قَرِينَةٌ تُقَالُ * أَوْمَعْنَوِيَّةٌ، كَمَا يُحَالُ
قِيَامُهُ فِي عَادَةٍ بِالْمُسْنَدِ * أَوْ عَقْلٍ اوْ يَصْدُرُ مِنْ مُوَحِّدِ
كَ”هَزَمَ الْأَمِيرُ جُنْدَهُ الْغَوِي” * وَ”جَاءَ بِيْ إِلَيْكَ حُبُّكَ القَوِي”
وَفَهْمُ أَصْلِهِ يَكُونُ وَاضِحَا * كَ”رَبِحَتْ تِجَارَةٌ” أَيْ رَبِحَا
وَذَا خَفًا كَ”سَرَّنِيْ مَنْظَرُكَا” * أَيْ سَرَّنِيْ اللهُ لَدَى رُؤْيَتِكَا
وَيُوسُفٌ أَنْكَرَ هَذَا جَاعِلَهْ * كِنَايَةً بِأَنْ أَرَادَ فَاعِلَهْ
حَقِيقَةً وَنِسْبَةُ الْإِنْبَاتِ لَهْ * قَرِينَةٌ وَقَدْ أَبَاهُ النَّقَلَهْ